كنت في زيارة توجيهية لإحدى ضواحي مدينة الرياض ( تبراك ) وزرت مدرسة تبراك الابتدائية وفي أثناء زيارتي وقفت على أحد الفصول أعتقد أنه الصف الثالث ابتدائي وكان المعلم يدرس مادة العلوم وكان يشرح للتلاميذ أجزاء النبتة: الجذور والساق والأوراق وبعد انتهاء هذا المعلم من الشرح داخل الفصل أخذ التلاميذ إلى حديقة المدرسة ثم أخذ يكرر عليهم ما سبق له شرحه بالفصل ولكن على الطبيعة وبشكل عملي فشاهد التلاميذ أجزاء النبتة ، وفي نهاية الحصة طالبهم باستزراع نبتة في منازلهم ، أنا شخصيا أعجبتني طريقة هذا المعلم الذي لم يقصر شرحه على السبورة والطباشير كغيره من بعض المعلمين ، الذين لاتدري من أي باب ولجوا إلى مهنة التعليم، للمعلومية هذا المعلم جنسيته ( تونسي) وقد عين في مدرسة تبراك على زعم من إدارة التربية التعليم أنه لايوجد له مكان داخل مدينة الرياض ، لماذا لاينظر إلى الكفاءات ويتم تشجيعها لتخلص في عملها ؟ سيقول قائل وما علاقة ذلك برحلتك في عالم الإرشاد؟ أقول: إن هناك علاقة قوية جدا بين ما يفعله المعلم داخل الفصل وما يقوم به المرشد داخل المدرسة إن عملهما واحد/ المعلم يعلم المواد والمرشد يعلم السلوك الجيد هذا من جهة أما من جهة أخرى فإن أمثال هذا المعلم المخلص يعين المرشد في عملة بشكل غير مباشر ، لأن مثل هذا المعلم تقل لديه نسبة الرسوب من الطلاب لذا لن يجد المرشد عناء ومشقة في دراسة أسباب ضعف طلاب أمثال هذا المعلم، أما الطلاب الذين يعانون من صعوبة تكيف مع بعض المعلمين إما من تقصير في المادة العلمية أو ضعف في شخصية المعلم أو عدم قدرة على توصيل المادة العلمية للطلاب أو عدم رغبة في مهنة التدريس فإن المرشد الطلابي سيعاني كثيرا مع أمثال هؤلاء –أعانه الله- 0
الزيارة الثانية كانت لمدرسة حضار الابتدائية ، هذه المدرسة لاتزال ذكراها الطيبة عالقة في ذهني إلى اليوم على الرغم أنه مضي على هذه الزيارة أكثر من 12 عاما ، لكن الأثر الطيب يبقي دائما محفورا في الذاكرة، فمن أجمل مالاحظته في هذا المدرسة تعاون معلميها مع الإدارة المدرسية وإحساس الزائر أنه يعيش مع أهله وأحبابه ومما لفت نظري في الواقع عندما زرت تلاميذ الصف الأول في الفصل الدراسي الأول ، فوجدت مدرسا في غاية الروعة ، كيف ؟ لاحظت أن طلبة الصف الأول يقرؤون الكلمات والحروف على الرغم من أنه لم يمض من العام الدراسي إلا شهران ، كان المعلم يقيم التلاميذ واحداواحدا أمام السبورة فيقرأ الطالب مما كتب على ورقة مقواة ،ويشير إلى بعض الكلمات التي يقرأها بعصا في يده، قلت في نفسي لماذا لاأختار أنا عددا من التلاميذ للتحقق من أنهم فعلا يستطيعون القراءة؟ ففعلت ، فصاروا فعلا يستطيعون القراءة في هذا الوقت المبكر من العام الدراسي ، فأدهشني ذلك!! فتمنيت لو أن هذه المدرسة قريبة من منزلي لأدخلت ابني فيها ، فلن أجد أفضل منها علما بأنها مدرسة حكومية، المحير في الأمر أن هذا المعلم تخصصه أساسا تربية فنية ، وقد نقل من وسط مدينة الرياض إلى ضواحي الرياض ، إذ أشترط عليه الإشراف التربوي إما أن ينقل خارج الرياَض أو يلغى عقده لأنه غير سعودي فصار من حظ مدرسة حضار الابتدائية خارج مدينة الرياض، هكذا في عالمنا العربي تشجع المواهب ، في الولايات المتحدة لا يهتمون بالشهادات إنما يهتمون بالكفاءات ، أما نحن في العالم العربي فنهتم بكلمة (د) حتى ولو كان حاملها لايفقه شيئا في مادة تخصصه لا أعمم ذلك بل إن هناك من يحمل شهادة الدكتوراه حقا وحقيقة، ولكن البعض مع الأسف لاأدري كيف حصل عليها 0
مما يضايقني كثيرا ما أسمعه من بعض الزملاء المشرفين مثلي ممن يشتركون معي في المعاناة أن أحد المشرفين قال لي يوما ما ، إن المرشد الطلابي بمدرسة ما ، حول إليه مدير المدرسة طالبا يلاحظ عليه شيئا من عدم الانضباط السلوكي ، يقول المرشد ، فدخلت أنا والطالب في غرفة الإرشاد والمدير جلس خارج الغرفة ، ينتظر نتيجة المقابلة ، يقول والكلام للمرشد لما انتهيت من مقابلة الطالب وخرج الطالب من عندي وذهب لفصله ، دخل علي المدير وقال : هاه بشر عسى مشكلة الطالب انحلت !!!! هذه يا أخي أمية الإرشاد المرشد لايحل المشكلات وليس لديه يد سحرية يستطيع أن يمسح بها على الطالب وتنتهي مشكلته ، الإرشاد يساعد الطالب في التغلب على مشكلته يفتح أمامه الباب ليفكر في واقعه ، المرشد بساعد الطالب ليقترح الحلول المناسبة لمشكلته ، المرشد ليس لديه حلول جاهزة يقدمها لطلابه ، يجب أن نفهم جيدا ماهو الإرشاد ؟ لكن مع الأسف الشديد من يقرأ عن الإرشاد وغيره قليل وهذه آفة مجتمعاتنا العربية 0
كنت في زيارة لمدرسة متوسطة في جنوب الرياض ، وقد قمت بمقابلة المرشد كالعادة في مكتبه، ومن عادتي أن أسأل المرشد عن المعوقات التي تنتاب عمله الإرشادي في بداية المقابلة، فقال لي كما تشاهد يا أستاذ إبراهيم أنا ليس لي غرفة مستقلة ، لذا ليس لدي خصوصية ، قلت : ولم ؟ قال : المدير يقول لي لاتغلق الباب عندما يدخل عندك الطالب ، كما أن الوكيل يشترك معي في نفس الغرفة ، فالطالب عندما يراجعني في مكتبي لا يملك الجرأة للحديث معي إلا إذا كنت منفردا ، طبعا هذه عقبة يواجهها كثير من المرشدين في المدارس وهي فقدان الثقة والاشتراك معه في غرفة واحدة ، يشتكي بعض مديري المدارس بأن غرف المدرسة قليلة ، ولكن أنا في نظري ليس هذا هوا لسبب ، إنما السبب هو عد م الثقة في المرشد ، فأقول لمثل هذا المدير إذا كنت لاتثق في مثل هذا المرشد فمن الأفضل نقله عنك إلى مدرسة أخرى ، أما أن يكون الوضع بهذه الحالة فهذا إعاقة للعملية الإرشادية 0
من أسوأ ما يواجهه المشرفين في زياراتهم للمدارس أن ينفذ المشرف أمورا هو عير مقتنع بها مثال ذلك ، كنت مشرفا للإرشاد في أحد مراكز الإشراف بمدينة الرياض، فأعطيت استمارة لتدوين المعلومات التي ترغبها إدارة المركز ، نظرت لهذه الاستمارة ، فوجدت هذه الاستمارة عبارة عن طلب معلومات لأمور لاعلاقة لها بتخصص الإرشاد إنما هي أمور إدارية تتعلق بالصيانة والتأكد من سلامة الحمامات – أكرمكم الله – وليس فيها ما يشير إلى إبداعات المدرسة ونشاطها ، المهم ليست هذه المشكلة، المشكلة شعور كثير من مديري المدارس أننا نأتي للمدرسة لننقب عن الأخطاء نأخذ السلبيات ليطلع عليها مدير المركز ولا نأبه بالحسنات أو الإيجابيات ، أحد الزملاء لما سلمه مدير المركز مثل هذه الاستمارة قال له أي المشرف تريدني أن أحضر لك الإيجابيات أيضا قال (لا) بل أحضر السلبيات فقط ، فرد على مدير المركز الاستمارة وقال له هذا ليس بإنصاف ،وليس هذا عملي فزعل مدير المركز 0
وفي ختام جولتي هذه كان بودي أن أتحدث عن ذكرياتي الجميلة أثناء عملي في الإشراف ، ولكن الذكريات غير السارة هي التي تتغلب وتحاول أن تبرز دائما ، وهذا هو الشيء الذي يزعجني ويزعج كل غيور على التعليم ، فالبيئة الإرشادية في أغلب مدارسنا اليوم معدومة ، وكل يفسر عمل المرشد كما يريد، والله المستعان و الموفق إلى سواء السبيل 0
وكل عام وانتم بخير